ويقول الشيخ أحمد السرهندي قدّس الله سرّه::
« إن لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلّم التي هي
رأس كل سعادة دينية ودنيوية درجات ومراتب :
الدرجة الأولى : لعوام
أهل الإسلام : من إتيان الأحكام الشرعية ، ومتابعة السنة السنية بعد تصديق القلب وقبل اطمئنان النفس الذي هو مربوط بدرجة الولاية .
وعلماء الظاهر والعباد والزهاد والذين لم تبلغ معاملتهم مرتبة اطمئنان النفس كلهم
شركاء في هذه الدرجة من المتابعة ، وكلهم متساوية الأقدام في صورة الاتباع ، وحيث
أن النفس لم تتخلص في هذا المقام من كفره وإنكاره لا جرم تكون هذه الدرجة مخصوصة
بصورة المتابعة ، وصورة المتابعة هذه كحقيقة المتابعة موجبة للفلاح ونجاة الآخرة
ومنجية من عذاب النار ، ومبشرة بدخول الجنة ، ومن كمال كرمه I لم يعتبر إنكار النفس بل اكتفى بتصديق القلب وجعل النجاة مربوطة
بذلك التصديق .
الدرجة الثانية من المتابعة : اتباع أقواله وأعماله صلى الله عليه وسلّم التي تتعلق
بالباطن : من تهذيب الأخلاق ، ورفع رذائل الصفات ، وإزالة الأمراض الباطنية والعلل
والمعنوية مما يتعلق بمقام الطريقة ، وهذه
الدرجة من الاتباع مخصوصة بأرباب السلوك الذين يقطعون بوادي السير إلى الله ومفاوزه ، آخذين طريقة الصوفية من شيخ
مقتدي .
الدرجة الثالثة من المتابعة : اتباع أحواله وأذواقه ومواجيده صلى الله عليه وسلّم التي تتعلق
بمقام الولاية الخاصة ، وهذه الدرجة مخصوصة بأرباب الولاية سواء كان مجذوباً
سالكاً أوسالكاً مجذوباً ، فإذا انتهت مرتبة الولاية إلى آخرها فقد صارت النفس
مطمئنة وامتنعت من المعاندة والطغيان وانتقلت من الإنكار إلى الإقرار ، ومن الكفر
إلى الإسلام ...
والدرجة الرابعة من المتابعة : وكانت في الدرجة الأولى صورة
هذه المتابعة وهنا حقيقة الاتباع ، وهذه الدرجة الرابعة من الاتباع مخصوصة
بالعلماء الراسخين ، شكر الله تعالى سعيهم ، فإنهم يتحققون بدولة المتابعة بعد
اطمئنان النفس وإن حصل نحو من اطمئنان النفس
للأولياء ( قدس الله تعالى أسرارهم ) بعد تمكين القلب ، ولكن كمال الاطمئنان يحصل
للنفس في تحصيل كمالات النبوة التي للعلماء منها نصيب بطريق الوراثة ، فيكون العلماء
الراسخون متحققين بحقيقة الشريعة التي هي حقيقة الاتباع بواسطة كمال اطمئنان النفس
، وحيث فقد هذا الكمال في غيرهم يتلبسون احياناً بصورة الشريعة ، وآونة يتحققون
بحقيقة الشريعة...
والدرجة الخامسة من المتابعة : اتباع كمالاته صلى الله عليه وسلّم ولا مدخل
للعلم والعمل في حصول تلك الكمالات ، بل حصولها مربوط بمحض فضل الحق وإحسانه جل
جلاله ، وهذه الدرجة عالية جداً لا مساس للدرجات السابقة بها ، وهذه الكمالات
مخصوصة بالأنبياء أولي العزم بالأصالة ويشرف بها بالتبعية والوراثة كل من أريد له
ذلك .
الدرجة السادسة من المتابعة : اتباعه صلى الله عليه وسلّم في كمال مخصوص بمقام محبوبيته صلى الله عليه وسلّم ، وكما أن
إفاضة الكمالات في الدرجة الخامسة كانت بمجرد الفضل والإحسان ، كذلك في الدرجة
السادسة إفاضة كمالاتها بمجرد المحبة التي فوق التفضل والإحسان ، ومن هذه الدرجة
أيضاً نصيب لأقل قليل . وهذه الدرجات الخمس من درجات المتابعة غير الدرجة الأولى
وكلها تتعلق بمقامات العروج وحصولها مربوط بالصعود .
الدرجة السابعة : متابعة
تتعلق بالنـزول والهبوط ، وهذه الدرجة جامعة لجميع الدرجات السابقة ، فإن في هذا
الموطن ، يعني : موطن النـزول ، تصديق القلب وتمكينه ، واطمئنان النفس ، واعتدال
أجزاء القالب لامتناعها وانتهائها عن الطغيان والعناد ، وكأن الدرجات السابقة كانت
أجزاء هذه المتابعة ، وهذه الدرجة كالكل لتلك الأجزاء . ويحصل للتابع في هذا
المقام شباهة بالمتبوع على نهج كأنه قد ارتفع اسم التبعية من البين ، وزال امتياز
التابع والمتبوع وبتوهم أن التابع كلما يأخذه من الأصل كالمتبوع وكأن كليهما
يشربان من عين واحد » .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق